التعدين في أعماق البحار: كيف يتحقق التوازن بين الحاجة إلى المعادن والتأثيرات البيئية؟

PressRex profile image
by PressRex
التعدين في أعماق البحار: كيف يتحقق التوازن بين الحاجة إلى المعادن والتأثيرات البيئية؟

مع اقتراب الصناعة من أن تصبح جزء لا يتجزأ من عالمنا ، يدرس العلماء الأضرار البيئية المحتملة.

لتقليل اعتماد البشر على الوقود الأحفوري، نحتاج إلى كميات كبيرة من المعادن. مثلًا، يتطلب توربين الرياح الواحد أكثر من 100 طن من النحاس، وتحتاج بطاريات السيارات الكهربائية إلى كميات كبيرة من الكوبالت والنيكل والمنجنيز. حاليًا، يُستخرج معظم هذه المعادن من مناجم على الأرض، ما يؤدي إلى تدمير الغابات، وتلوث المياه، وانتهاك حقوق الإنسان. يتمثل خيار آخر في المعادن الموجودة في أعماق البحار.

التحديات والآفاق:

مع أن فكرة التعدين البحري قيد الدراسة منذ عقود، حالت الصعوبات الهندسية والاقتصادية دون تنفيذها. إضافةً إلى ذلك، غياب القوانين الدولية المنظمة لهذا المجال كان عائقًا كبيرًا. لكن الوضع قد يتغير قريبًا، إذ تعمل الهيئة الدولية لقاع البحار، التابعة للأمم المتحدة، على وضع لوائح لتنظيم استخراج المعادن البحرية. من المتوقع إصدار هذه اللوائح العام المقبل، بهدف تحقيق توازن بين الاستفادة الاقتصادية وحماية البيئة.

آراء مؤيدة ومحذرة:

يرى المؤيدون أن التعدين في البحار قد يقلل من الأضرار البيئية الناتجة من التعدين الأرضي، ويسهم في خفض تكاليف تقنيات الطاقة المتجددة. لكن علماء مثل جيف درازن من جامعة هاواي، يطالبون بالحذر. فهم يشيرون إلى أن المعلومات المتوفرة عن البيئة البحرية العميقة محدودة جدًا، وهي واحدة من أكثر الأنظمة البيئية غموضًا على الأرض.

جائزة مغرية في أعماق البحار:

يتركز الاهتمام بتعدين أعماق البحار على نوع معين من الموارد يُسمى العُقيدات متعددة المعادن. هذه الترسبات تحتوي على كميات كبيرة من المنجنيز والنحاس والكوبالت والنيكل. تتشكل هذه العقيدات على مدار ملايين السنين عندما تترسب المعادن الذائبة حول مواد عضوية مثل أسنان أسماك القرش القديمة.

تنتشر هذه العقيدات في أماكن عديدة من قاع البحار الدولية، لكنها تكثر خصوصًا في منطقة تُعرف باسم كلاريون-كليبرتون، الواقعة بين هاواي والمكسيك. تحتوي العقيدات في هذه المنطقة وحدها على كميات ضخمة من النيكل والكوبالت، تفوق ما تمتلكه جميع المناجم الأرضية المعروفة.

استخراج هذه العقيدات من قاع البحر، الذي يتجاوز عمقه غالبًا ثلاثة كيلومترات، ما زال فكرة نظرية لم تُطبق بعد. الطريقة المقترحة تتضمن استخدام مركبات كبيرة تمسح قاع البحر لجمع الرواسب التي تحتوي على العقيدات. ثم يُنقل الخام عبر أنبوب إلى سفن خاصة، حيث تُفصل العقيدات عن الرواسب، ويُتخلص من البقايا في البحر.

ضريبة خفية:

في حين يحاول الباحثون فهم النظم البيئية في أعماق البحار، أجريت دراسات لمعرفة تأثيرات التعدين عليها. في دراسة منشورة، وجدت أنجيه بوتيوس وفريقها أن مركبات الجمع قد تترك آثارًا طويلة الأمد على قاع البحر.

في تجربة أجريت عام 1989 في حوض بيرو، أنشأ الباحثون محاكاة تأثير مركبات الجمع باستخدام محراث مشدود إلى سفينة لقطع مسارات في قاع البحر. وبعد عقود، كانت آثار هذه التجربة واضحة، ما أدهش الباحثين. تقول بوتيوس إن البيئة في أعماق البحار هادئة للغاية، حيث التيارات ضعيفة والرواسب تتراكم ببطء، ما يجعل عملية التعافي أبطأ بكثير مقارنة بالمياه الضحلة أو اليابسة.

أظهرت الدراسة أن المسارات التي خلفها المحراث شهدت انخفاضًا بنسبة 30% في أعداد الميكروبات مقارنةً بالمناطق غير المتأثرة. كانت أعداد الكائنات الحية مثل الديدان وخيار البحر أقل. تضيف بوتيوس أن الرواسب أصبحت مضغوطة جدًا، ما يمنع الكائنات من العودة واستعمار الموطن مرة أخرى. وتشير التجربة إلى أن التأثيرات الفيزيائية الناتجة عن التعدين قد تمنع استعادة الحياة الطبيعية في تلك المناطق فترةً طويلة جدًا.

تأثيرات تمتد إلى ما بعد قاع البحر:

التعدين في أعماق البحار يؤثر ليس فقط في قاع المحيط، بل يمتد تأثيره إلى المياه. في أثناء عمليات الفرز، تطلق السفن سحبًا من الغبار، ما يخلق عوالق ترابية في مياه المحيط. تشير تقديرات العلماء إلى أن تعدين العقيدات المعدنية قد ينتج يوميًا نحو 50 ألف متر مكعب من المياه المحملة بالعوالق.

وُجد أن اضطرابات المياه قد تقلل من تركيز هذه العوالق بسرعة لتعود إلى المستويات الطبيعية. حذر الباحثون من أن أي زيادة بسيطة في العوالق الترابية قد تضر بالكائنات البحرية العميقة مثل العوالق البحرية وقناديل البحر، التي تطورت في بيئة شبه خالية من الغبار. هذه الكائنات تعتمد على ترشيح الجزيئات العضوية من المياه، وإذا علقت في هذه السحب، قد تواجه صعوبة في التغذية أو انسداد آليات الترشيح لديها.

مخاطر إضافية على الكائنات البحرية:

يحذر الباحثون من مخاطر أخرى للتعدين. الضوضاء الناتجة من نقل المعادن عبر أنابيب الرفع قد تعطل تواصل الحيتان وغيرها من الكائنات البحرية، وقد تؤثر سحب الغبار في الإشارات الضوئية التي تستخدمها الكائنات البحرية، مثل الحبار وقناديل البحر، للتواصل في أعماق المحيط المظلمة.

كيف نمضي قدمًا؟

رغم تحديد بعض الأضرار المحتملة، ما زال العلماء يجهلون حجم هذه الأضرار بسبب نقص البيانات والمعلومات المتاحة. لذلك، يدعو كثيرون إلى تبني نهج حذر. لا يوجد مبرر للتسرع في التعدين بأعماق البحار قبل فهم النظام البيئي هناك. تقترح منظمة حفظ الطبيعة الدولية فرض حظر لمدة 10 سنوات على التعدين، لإعطاء فرصة للعلماء وصناع القرار لدراسة الآثار البيئية.

وجهة نظر داعمة للتعدين:

من ناحية أخرى، يرى بعض المؤيدين أن التعدين في البحار ضروري لدعم تقنيات الطاقة المتجددة والحد من الاحتباس الحراري. إذ إن التعدين الأرضي يسبب أضرارًا صحية وبيئية خطيرة، مثل عمالة الأطفال والأمراض المهنية. بالمقابل فإن التعدين البحري سيكون أقل ضررًا، خاصة مع وجود أنظمة تقييم بيئي تفرضها الهيئة الدولية لقاع البحار. يمكن لهذه الأنظمة تقليل الأضرار من خلال حظر التعدين في المناطق البيئية الحساسة.

جهود الهيئة الدولية لقاع البحار:

تعمل الهيئة الدولية لقاع البحار على استخدام الأبحاث العلمية المتزايدة في منطقة كلاريون-كليبرتون لوضع التدابير اللازمة لحماية البيئة البحرية. ستُعتمد اللوائح إذا وافق جميع الأعضاء. لا يوضح المقال تفاصيل كيفية معالجة الأضرار البيئية التي حددها الباحثون، لكنه يشير إلى أن القانون سيشمل أحكامًا لحماية البيئة البحرية، والحفاظ على التنوع البيولوجي، وضمان الصحة العامة، بجانب توزيع عادل للعوائد الاقتصادية.

التقدم في حماية البيئة البحرية

تتابع جهات مختلفة، من الصناعة والأوساط الأكاديمية إلى منظمات الحفاظ على البيئة، جهود الهيئة من كثب. عقدت الهيئة في السنوات الأخيرة اجتماعات متكررة لحماية الكائنات البحرية، بدءًا من البكتيريا وحتى الأخطبوطات، وأصبحت أن القوانين أصبحت أكثر اهتمامًا بالبيئة مقارنة بالماضي.

شبكة مبادرة حماية المحيطات العميقة، التي تضم خبراء من دول مختلفة، قدمت توصيات لضمان اتخاذ احتياطات بيئية كافية. ثم تقدم كبير في صياغة اللوائح، لكن المزيد من العمل ما زال مطلوبًا.

اقرأ أيضًا:

قد يكون التعدين في أعماق البحار خطوة أقرب إلى الواقع؟

قاع المحيط: ماذا نعرف عنه، وماذا يوجد في قاع المحيطات؟

ترجمة: محمود حسين عبدالرازق

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر

The post التعدين في أعماق البحار: كيف يتحقق التوازن بين الحاجة إلى المعادن والتأثيرات البيئية؟ appeared first on أنا أصدق العلم.

Source: View source

PressRex profile image
by PressRex

Subscribe to New Posts

Lorem ultrices malesuada sapien amet pulvinar quis. Feugiat etiam ullamcorper pharetra vitae nibh enim vel.

Success! Now Check Your Email

To complete Subscribe, click the confirmation link in your inbox. If it doesn’t arrive within 3 minutes, check your spam folder.

Ok, Thanks

Read More