ريم هاني
كما كان متوقعاً، أصدر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الساعات الأولى التي تلت تنصيبه رسمياً، وابلاً من الأوامر التنفيذية، مستهلاً رئاسته باستعراض للقوة «الفردية»، والتي تعكس نيته عكس السياسات التي تبنّتها إدارة جو بايدن السابقة، في قضايا عدة من مثل الهجرة والبيئة وغيرها. على أنّه طبقاً لمراقبين، فإنّه بعيداً عن عدد قليل من الملفات حول العالم، وتحديداً تلك المتعلقة بالهجرة والحدود وغيرها من القضايا الداخلية، فإنّ سياسات الإدارة القادمة الخارجية لن تختلف، في جوهرها، عن تلك التي اتّبعها بايدن، على الرغم من الاختلاف العلني الشاسع بين الرئيسين، علماً أنّ من المتوقع أن يتم الطعن في بعض أوامر ترامب في المحكمة، فيما البعض الآخر منها يكتسب، إلى حدّ كبير، طابعاً «رمزياً».
ومن بين نحو 80 إجراءً تنفيذياً ألغاها ترامب، يأتي حق اكتساب الجنسية عبر الولادة بالنسبة إلى المهاجرين غير الشرعيين، والذي أقرّته المحكمة العليا منذ نحو 125 عاماً، علماً أنّ مثل ذلك القرار يتطلب تعديلاً للدستور، وهو ما لا يستطيع ترامب القيام به، فيما من المتوقع أن يتم الطعن فيه أمام المحكمة. وانقلب ترامب، أيضاً، على الأوامر التي أصدرها بايدن، في وقت سابق، إلى الحكومة الفيدرالية ببناء «برنامج اللاجئين»، معلناً، بدلاً منه، «حالة الطوارئ الحدودية» في ما يتعلق بالهجرة عبر الحدود، بما يتيح له استخدام التمويل الفيدرالي من جانب واحد لبناء الجدار الحدودي، من دون موافقة الكونغرس.
كذلك، شرع ترامب في إلغاء لوائح بايدن بشأن التلوث الناجم عن السيارات والشاحنات الخفيفة، والتي شجعت شركات صناعة السيارات على تصنيع المزيد من السيارات الكهربائية، جنباً إلى جنب انسحابه من «اتفاقية باريس للمناخ». وفي إطار سياساته البيئية المثيرة للجدل، أعلن ترامب «حالة طوارئ وطنية للطاقة»، وهي الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، ويمكن أن تطلق صلاحيات جديدة لتعليق قواعد بيئية معينة أو تسريع السماح بمشاريع تعدين، واعداً بـ»ملء الاحتياطات الاستراتيجية من النفط» في البلاد. كما جمّد الرئيس الجمهوري التوظيف الفيدرالي، باستثناء أفراد الجيش أو «المناصب المتعلقة بإنفاذ قوانين الهجرة أو الأمن القومي أو السلامة العامة»، وأعاد إحياء فئة من العمال الفيدراليين تعرف باسم «الجدول F»، وتفتقر إلى الحماية الوظيفية ذاتها التي يتمتع بها موظفو الخدمة المدنية. وفي إطار جهوده أيضاً لتقويض ما يسمى بـ»الدولة العميقة»، وقّع الرئيس الحالي وثيقة «إنهاء تسليح» الحكومة ضد المعارضين السياسيين، والتي تفرض على وزير العدل فتح تحقيق في أنشطة الحكومة الاتحادية خلال السنوات الأربع الماضية، بما فيها وزارة العدل ولجنة الأوراق المالية.
وبعد تعهده للمرة الثانية خلال السنوات الماضية باتخاذ تلك الخطوة، أمر ترامب بانسحاب بلاده من «منظمة الصحة العالمية»، بذريعة أنّ الأخيرة «أساءت التعامل مع جائحة (كورونا) وغيرها من الأزمات الصحية»، وسط تحذير عدد من الخبراء من أنّ القطع المفاجئ للأموال والخبرات القادمة من واشنطن، التي تعدّ أكبر مانح للمنظمة، «سيعرّض البرامج الصحية الدولية للخطر».
يميل الجزء الأكبر من السياسات الخارجية الأميركية غالباً إلى «البقاء من دون أي تغيير»
وعبر توقيع أمر تنفيذي آخر، علّق ترامب فرض حظر على تطبيق «تيك توك» لمدة 75 يوماً بعدما كان مقرراً إغلاقه في 19 كانون الثاني، مقترحاً أن تكون للولايات المتحدة ملكية 50 بالمئة من التطبيق في البلاد مقابل عدم حظره، فيما قالت الخارجية الصينية إنها «تعتقد بأن الشركات يجب أن تقرر بشكل مستقل الأمور المتعلقة بعملياتها واتفاقاتها»، على الرغم من انفتاح بكين على «أي صفقة محتملة تبقي التطبيق في البلاد». كذلك، أعاد ترامب تصنيف كوبا على لائحة «الدول الراعية للإرهاب»، في قرار وصفته الحكومة الكوبية بـ»المهزلة والغطرسة»، في حين اعتبرت الخارجية الصينية أنّ استخدام واشنطن المتكرر لهذه القائمة «يتعارض مع الوقائع، ويكشف عن وجه الولايات المتحدة المتسلط والمتنمر».
«الجبل الجليدي»
وفي مقابل الإجراءات المشار إليها، تعتبر مجلة «فورين أفيرز» أنّه على الرغم من جميع الاختلافات بين الإدارتين، فمن المحتمل أن تكون هناك «استمرارية» في سياساتهما أكثر ممّا يظهر إلى العلن، مشيرةً إلى أنّ السياسات الخارجية للولايات المتحدة هي أشبه بجبل جليدي، يكون الجزء المرئي منه لامعاً وخشناً ويجذب الانتباه، فيما الجزء المخفي هو أكبر بكثير، ويميل غالباً إلى «البقاء من دون أي تغيير»، على الرغم من التباينات بين الإدارات المتعاقبة. ومن جملة المجالات التي ستبقى مقاربتها «ثابتة» في عهد ترامب، طبقاً لأصحاب هذا الرأي، النهج تجاه إسرائيل، والذي سيبقى جامعاً للدعم العسكري والحماية من الصواريخ الإيرانية والهجمات الدبلوماسية التي تستهدف إسرائيل في الأمم المتحدة وأماكن أخرى. وحتى في الوقت الذي تنتقد فيه الإدارة الجديدة حلفاء واشنطن، بشأن قضايا مثل الإنفاق الدفاعي والتجارة، فمن المرجح أن تسعى إلى شراكات أكثر إحكاماً في الخارج، ولا سيما في المحيطين الهندي والهادئ، لتدعيم منافستها مع بكين. كذلك، من المتوقع أن يعزز ترامب، على غرار بايدن، الشراكات الاستراتيجية الخارجية، من مثل «الحوار الأمني الرباعي»، مع أستراليا والهند واليابان، جنباً إلى جنب تكثيف «الحزبين» لجهود تعميق العلاقات مع الهند. كما يتشارك كل من ترامب وبايدن، بحسب التقرير، الآراء حول ضرورة إيجاد بدائل للواردات، وإحياء التصنيع المحلي، ويشككان «في الاتفاقيات التجارية المتعددة الأطراف».
غزة وروسيا
وبعدما تباهى ترامب، كعادته، بكونه «صانع السلام الأول في العالم»، خلال حفل تنصيبه، ونسب إلى نفسه الفضل في التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، يشير تقرير منفصل نشرته المجلة الأميركية نفسها إلى أنّ الهدف «الأصعب والضروري لتحقيق أي استقرار إقليمي طويل الأمد»، يتمثل بـ»إنقاذ الدولة الفسطينية»، وللذي يتطلب الذهاب إلى ما هو أبعد من اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، وتحديداً باتجاه إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية؛ وبصورة أعم، يتطلب مثل ذلك السيناريو جهوداً دبلوماسية «كيسنجيرية»، «وتنازلات من جميع الأطراف»، ولاسيما من ناحية بنيامين نتيناهو. وفي حال عدم قبول الأخير بـ»تسويات كبيرة»، قد تجد إدارة ترامب نفسها مرة أخرى تتبنى سياسة شبيهة بإدارة بايدن، نظراً إلى أنّه في حال عدم المضيّ قدماً بعد الحرب في إنهاء «الاستعمار في الأرضي المحتلة»، سينتهي المطاف بالعملية الإسرائيلية في غزة إلى أن تكون ممارسة غير مجدية، هي الأضخم، في إطار ما يسميه الإسرائيليون «استراتيجية جز العشب». ويختم التقرير بالقول إنّه في أوكرانيا وغزة، هناك فرص لحصول تسويات تخدم مصالح الأطراف المتحاربة، فيما يجب الانتظار لمعرفة ما إذا كان «السياسيون المسؤولون» سيجبرون أنفسهم على الذهاب في اتجاه السلام، أو أنّهم سيقامرون باستمرار القتال.
وبالحديث عن أوكرانيا، يشير أصحاب الرأي المتقدم إلى أنّه فيما يعوّل الغرب، وعلى رأسه واشنطن، على العقوبات الاقتصادية لإجبار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على تقديم «تنازلات» على طاولة المفاوضات، إلا أنّ المشكلة الأساسية التي يواجهها الغرب هي «ضيق الوقت»؛ إذ إنّ الآمال الغربية المشار إليها تستند إلى افتراضات خاطئة، نظراً إلى أنّ التحديات الاقتصادية التي تواجهها روسيا ليست «حادة» بما فيه الكفاية، لتحدث «فرقاً ذا مغزى في الحرب على المدى القريب». وتردف المجلة أنّ موسكو لا تزال قادرة، خلال العام المقبل كحد أدنى، على منع وقوع «أزمة شاملة في الاقتصاد»، ما ينذر بأنّه سيظل لدى بوتين الموارد الكافية لاستكمال حربه.
كذلك، يبقى احتمال حصول ضغط شعبي في روسيا بسبب التصدع في الأوضاع الاقتصادية، طبقاً لأصحاب هذا الرأي، منخفضاً، نظراً إلى أنّ العديد من المواطنين الروس يولون أهمية أكبر للرواتب والمعاشات التي تقدمها الدولة بدلاً من التركيز على «الحريات السياسية أو المدنية». والأهم، أنّ الفكرة التي أصبحت موجودة في «الوعي العام»، هي أنّ قيادة بوتين في زمن الحرب تعني «الازدهار الاقتصادي والفخر الوطني»، وأنّ «السلام من شأنه أن يجلب التراجع والإذلال»، وهو ما سيصعب تغييره لدى الشعب.
أخبار سورية الوطن١ الأخبار
Source: View source