بعد سنوات من الحرب في سوريا، كانت مصر وجهة لكثير من السوريين الباحثين عن فرص جديدة للعيش والنجاة، والآملين بفرص جديدة ومستقبل أفضل، وذلك لقربها الجغرافي والثقافي، وفتح باب الاستثمار فيها.

على ضفاف المتوسط، تقع محافظة دمياط المصرية، والتي تعد واحدة من أكثر المحافظات جذبا للسوريين، وتشكل حاضنة شعبية لهم على مدار 10 سنوات.

تعرف دمياط محليا وإقليميا، بأنها عاصمة الأثاث في مصر، والتي تصدر منتجاتها إلى الخارج، مما جعلها المكان الأنسب للسوريين العاملين في هذه الحرفة اليدوية.

لم تقتصر نجاحات السوريين في دمياط على الأثاث، بل كان لهم بصمة بمجالات مختلفة كالمطاعم وتصليح السيارات والعطور والتعليم وغيرها.

مصانع كبيرة للأثاث

على بعد بضع كيلومترات من دمياط الجديدة، تقع المدينة الصناعية للأثاث، والتي أصبح للسوريون فيها مكانة وسمعة طيبة، وضمت مصانعهم وأتاحت فرص عمل عديدة.

وعلى امتداد المدينة الصناعية، ترافقك لوحات إعلانية تحمل أسماء تدل على أصحابها السوريين، أمثال "فجر الشام و"ظلال الشام" وغيرها من المصانع.

هيثم البني، صاحب مصنع أثاث في دمياط يشرح لموقع "تلفزيون سوريا" تفاصيل عمله في دمياط وأسباب اختياره لها منذ قدومه إلى مصر.

يقول هيثم، كنت أنا وشريكي نملك مصنعا للأثاث في مدينة سقبا التابعة لريف دمشق، وقام النظام السوري السابق بحرقه في الكامل، وفي 2012 لجأت إلى مصر مع عائلتي.

يضيف هيثم عن أسباب اختياره لدمياط، كان يعمل معنا بعض المصريين في سوريا وعندما اندلعت الحرب وخسرنا عملنا اقترحوا علينا أن نسافر إلى دمياط كونها عاصمة الأثاث، وبالفعل بدأنا العمل أنا وشريكي وأصبح لدينا مصنعا معروفا على مستوى دمياط.

يشتهر أهل دمياط بصناعة الأثاث "الكلاسيك" حيث الحفر على الخشب والذي يطلق عليه اسم " الأويمة" بين أصحاب المهنة.

أما السوريون، فكان الأثاث الحديث" الموديرن" هو ما شهرهم في السوق المصري، وجعلهم متميزون بعملهم ويوردون بضاعتهم للسوق المصري والخارج أيضا.

عبد الفتاح الدقي، شريك هيثم يقول، النسبة الأكبر من العمالة لدينا هم مصريون، وهم متقنون لعملهم ونحن نعمل معهم منذ أن كنا في بلدنا، كما أن غالبية ما نصنعه نورده للسوق المصري.

محمد العشري، مصري يقول، السوريون شعب مجتهد، ولهم بصمة كبيرة خصوصا في دمياط الجديدة، يعرفون بيننا بالإخلاص في العمل.

اقرأ أيضاً

الزيجات بين السوريين والمصريين.. كيف تؤثر على عودة اللاجئين بعد سقوط نظام الأسد؟

شارع لتصليح السيارات

في المدينة الجديدة، فتح نضال الشبلي من مدينة حمص، ورشة لتصليح السيارات، وسط شارع طويل يعج بمحال مشابهة.

لم يغير نضال مهنته في مصر، بل طورها، ويعتبر من أوائل السوريين الذين عاشوا في دمياط وعملوا بها منذ 2013.

يقول نضال، اخترت دمياط لأني شعرت بأن الجو فيها مشابه لحمص، حتى الأبنية والطقس، ولدي أقارب يعيشون هنا أيضا، فتحت ورشتي وأبرز زبائني من المصرين، حتى إن شهرتي هنا " نضال السوري".

يضيف نضال، المصريون هنا يعاملوننا كأننا إخوة، لم أشعر يوما أنا وأسرتي بأننا في مكان غريب، بل على العكس في كل مرة أفكر فيها بالسفر أشعر أني سأترك جزءا مني في دمياط، أهلها أهل كرم و"جدعنة".

وعلى غرار نضال، يوجد العديد من الورشات السورية لتصليح السيارات، والذين كانت دمياط حاضنة لهم ولم تميزهم عن المصريين.

الأكل يقرب بين الشعوب

اكتسبت المطاعم السورية شهرة واسعة في مصر، وتعود هذه الشهرة لتقديمهم مأكولات مختلفة عن تلك التي تعود عليها المصريون، بالإضافة إلى ذلك عرفوا بنظافتهم وأمانتهم وتقديمهم الأفضل للعميل.

وبما أن الأكل يقرب بين الشعوب، كان هو الوسيلة الأولى لجعل السوريين أقرب للمصريين، وفي دمياط اختار العديد منهم استثمار أموالهم بمجال المطاعم، حتى إن البعض يملك شركاء مصريين.

وفي وسط المدينة الجديدة، هناك مطاعم سورية عديدة تحمل طابعا مختلفا، وتقدم مأكولات متنوعة من المخبوزات إلى المعجنات واللحوم والمشويات.

اختار خالد مطر، وهو صاحب مطعم سوري في دمياط الجديدة، أن يضيف أصناف مميزة إلى قائمة الطعام المعتادة التي تقدمها المطاعم السورية، فاختار أن تكون " سلطة الفاكهة والعصائر على الطريقة السورية".

يقول خالد، بعد أن نجحت في مجال الأكل، قررت أن أضيف "الأشاطي" كما يطلق عليها السوريون، وهي عبارة عن سلطة الفاكهة مضاف إليها القشطة والعسل، وأيضا العصائر التي تحوي القشطة والعسل.

يضيف خالد، أحب المصريون الفكرة وكان الإقبال عليها شديدا، كما أن السوريين الموجودين في دمياط أحبوها كونها مثل التي كانت تباع في سوريا.

تعتبر دمياط من أكثر الأماكن التي عاش السوريون فيها باستقرار، ويعود ذلك لاستقبال أهلها المميز للاجئين، وغياب العنصرية خلال السنوات الماضية.

Source: View source