جوابا عن سؤال لأندرو روزينديل، النائب المحافظ في البرلمان البريطاني، حول النزاع في الصحراء وتقييم بلاده لخطة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، اعتبرت وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة أن “لندن مستمرة في دعم الجهود التي تقودها الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين، يقوم على التسوية ويضمن حق تقرير المصير لشعب الصحراء”، وفق تعبيرها.
وأوردت الخارجية البريطانية، في الجواب الكتابي الذي اطلعت عليه جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المملكة المتحدة تدعم بقوة عمل ستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، وتواصل تشجيع المشاركة البناءة في العملية السياسية للأمم المتحدة”، مضيفة أن “لندن تعتقد أن هذه العملية هي أفضل طريقة لحل النزاع طويل الأمد من خلال التوصل إلى حل مقبول من جميع الأطراف؛ وهو الحل الذي من شأنه أن يساهم بشكل كبير في الأمن والازدهار الإقليمي”.
ويثير التردد بريطانيا في الخروج بموقف واضح من ملف الوحدة الترابية للمملكة، على غرار حلفائها في كل واشنطن وباريس ومدريد، مجموعة من التساؤلات والتفسيرات، خاصة في ظل العلاقات الاستراتيجية التي تجمع الرباط ولندن، والتي توطدت بعد خروج هذه الأخيرة من الاتحاد الأوروبي، إذ يؤكد مهتمون أن الغموض البريطاني يعكس التحديات التي تواجه هذا البلد في موازنة مصالحه مع المغرب ودول أخرى في المنطقة.
واعتبر المهتمون بالعلاقات المغربية البريطانية، الذين تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية في هذا الشأن، أن التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي تشهدها المنطقة والعالم تفرض تثبيت الاستقرار في منطقة شمال إفريقيا من خلال دعم سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وتجعل من الصعب على صانع القرار البريطاني الاستمرار في نهج سياسة الحياد الغامض؛ بل تفرض عليه اليوم أكثر من أي وقت مضى توضيح موقفها من أجل الحفاظ على مصداقيتها كفاعل دولي مؤثر في معادلات الأمن والاستقرار في العالم.
تردد وترقب
قال هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، إن “الموقف البريطاني تجاه قضية الصحراء المغربية يتسم بالحياد النسبي؛ لكنه في جوهره يعكس تبني سياسات غير ناضجة سياسيا مقارنة بتوجهات المنتظم الدولي المتزايدة نحو دعم السيادة المغربية”، مضيفا أن “لندن كانت تاريخيا تميل إلى اتباع سياسة متوازنة في النزاعات الإقليمية؛ إلا أن هذه الحيادية أصبحت أقل انسجاما مع التحولات الجيوسياسية في المنطقة”.
وأضاف الباحث في الشؤون الاستراتيجية أنه “على الرغم من تطور العلاقات المغربية البريطانية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، خصوصا في المجالات التجارية والاقتصادية، فإن بريطانيا لا تزال مترددة في اتخاذ خطوات جريئة تعكس الاعتراف بحقيقة الوضع في الصحراء المغربية، كما فعلت دول كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا”، معتبرا أن “هذا التردد البريطاني ينبع من حسابات ضيقة مرتبطة بالحفاظ على علاقات جيدة مع الجزائر وبعض الدول الإفريقية المعارضة للموقف المغربي”.
وأكد المصرح لهسبريس أن “تأخر بريطانيا في تبني موقف واضح لصالح المغرب يجعلها تبدو وكأنها متخلفة عن الركب الدولي الذي بدأ يدرك أهمية دعم المغرب في قضية وحدته الترابية كعامل استقرار إقليمي ودولي”، مبرزا في الوقت ذاته أن “التزام بريطانيا بالموقف التقليدي الداعم لقرارات الأمم المتحدة يعكس تخوفها من اتخاذ خطوة تُفسر كخروج عن خطها التقليدي، رغم أن الموقف الأممي نفسه أصبح أكثر ميلا إلى الحل الواقعي الذي يقترحه المغرب من خلال مبادرة الحكم الذاتي”.
وبين معتضد أن “هناك غياب رؤية سياسية واضحة لدى بريطانيا حول أهمية المغرب كشريك استراتيجي؛ وهو ما يفسر ترددها في دعم سيادته على الصحراء، رغم أن هذا الدعم يتماشى مع مصلحة الاستقرار الإقليمي الذي يصب في صالح الدول الأوروبية بما فيها بريطانيا”، مضيفا: “أعتقد أنه في المستقبل القريب، هناك إمكانية لتعزيز الموقف البريطاني لصالح الاعتراف بمغربية الصحراء، خصوصا في ظل عودة دونالد ترامب الذي أحدث تحولا جذريا في هذا الملف حين اعترف بسيادة المغرب على صحرائه؛ وهو ما دفع دولا كبرى إلى مراجعة مواقفها التقليدية”.
وسجل أن “هذه التوقعات تبقى مشروطة بمدى قدرة بريطانيا على تجاوز تحفظاتها التقليدية والتخلي عن سياسات التردد التي تضر بمصداقيتها كفاعل دولي؛ فإذا قررت لندن في المستقبل القريب تبني موقف أكثر وضوحا، فقد يكون ذلك مرتبطا بتحقيق مكاسب اقتصادية وتجارية مع المغرب، الذي أصبح شريكا استراتيجيا للعديد من القوى الكبرى. ومع ذلك، يبقى العامل الأساسي هو إدراك بريطانيا لأهمية الانخراط في مسار يتماشى مع توجهات المنتظم الدولي الذي بات يرى في الحل المغربي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار الإقليمي”.
واقع وتفاعلات
أكد البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع، أن “العلاقات المغربية – البريطانية هي واقع جيوسياسي وحقيقة تاريخية مركزية، حيث تلعب هذه العلاقات دورا محوريا في إرساء وتدعيم ديناميكيات السلام والأمن وجهود توطيد الاستقرار العالمي في سياق دولي يتسم بتعدد المخاطر والتحديات وتأثيرها على الأمن البشري بأبعاده المتعددة، من خلال التنسيق الدائم والمستمر بين المملكة المغربية والمملكة المتحدة في العديد من الملفات الثنائية والخارجية التي تهم البلدين، والتي أكدت عليها مخرجات الدورة الرابعة للحوار الاستراتيجي المغربي – البريطاني والدورة الثانية لمجلس الشراكة لاتفاقية الشراكة بين البلدين”.
وتابع البراق أن “لندن تظهر توافقا عاما مع الموقف المغربي فيما يتعلق بحل قضية الصحراء المغربية؛ وهذا يبرز في مواقفها السياسية وتصريحات مسؤوليها، حيث إن هذا البلد الأوروبي لم يعبر أبدا عن أي موقف مُعاد تجاه الرباط في هذا الصدد، سواء عبر التصريحات الرسمية أو خلال المناقشات الدولية في مجلس الأمن”.
وأبرز الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع أن “المملكة المتحدة عبرت، في أكثر من مناسبة وتصريح لمسؤولين رفيعي المستوى، عن دعمها الثابت والمتواصل للقرارات الأخيرة الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يعبر عن استحسانها للجهود المتسقة والموثوقة التي تبذلها المملكة المغربية في سعيها إلى تسوية النزاع في الصحراء المغربية في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “هذه المواقف تعكس تمسك المملكة المتحدة الثابت بمبادئ العدالة والسلام والحل السياسي والتفاوضي للنزاعات الدولية”، معتبرا في الوقت ذاته أن “الموقف الذي عبرت عنه الخارجية البريطانية في جوابها الكتابي يمكننا اعتباره موقفا خاضعا لطبيعة التفاعلات السياسية الداخلية في بريطانيا المرتبطة بالانتخابات والتدافع السياسي المشروع، ولا يعبر عن كامل التوجه العام للفاعلين السياسيين في لندن”.
وأوضح المصرح لهسبريس أن “المغرب، ومن خلال مقاربته السيادية والسياسية والاقتصادية للنزاع الإقليمي حول الصحراء، وفر المناخ الملائم لمختلف دول العالم لاتخاذ مواقف سياسية تحترم السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية؛ وبالتالي فإن حكومة المملكة المتحدة، من خلال التطورات التي يعرفها الملف بدعم حلفاء كبار لبريطانيا في الحلف الأطلسي وخارجه، هي مطالبة اليوم بموقف بريطاني متقدم أكثر وضوحا في قضية الصحراء المغربية يتجه إلى اعتراف شبيه بالأمريكي والفرنسي والإسباني والإسرائيلي وفتح قنصلية بريطانية بالأقاليم الجنوبية”.
وخلص البراق إلى أن “السياسة الخارجية للمملكة المتحدة لها ثوابت راسخة تحدد التوجه الدبلوماسي العام لها؛ ومن أهمها التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية والالتزام بسياسات حلف الناتو.. وبالتالي فإن الرباط لها تقاطعات استراتيجية مع السياسة الخارجية البريطانية، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني أو العسكري. وعليه، فهناك مؤشرات تدل على أن التطور المنطقي للموقف البريطاني في المرحلة المقبلة هو اعتراف لندن بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية؛ وهو الأمر الذي تشتغل عليه الدبلوماسية المغربية على مجموعة من المسارات”.
The post بريطانيا وقضية الصحراء المغربية .. "حياد نسبي" يمتثل للتفاعلات الداخلية appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
Source: View source