عادل الباز يكتب: صورة أمريكا في خطاب ترمب
في عددها الأخير، قالت مجلة الإيكونوميست بعد تنصيب الرئيس ترمب: (على مدى عقود، زعم القادة الأميركيون أنّ قوّتهم تأتي مع مسؤوليّتهم باعتبارهم المدافعين الذين لا غنى عنهم عن عالم أصبح أكثر استقراراً واعتدالاً بفضل الديمقراطية والحدود المستقرة والقيم العالمية). الآن، بصعود ترمب إلى السلطة مجدداً، أصبحت كل تلك القيم في مهب الريح.
وتقول المجلة : (ومن خلال الابتعاد عن القيم التي صنعت أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، سيتخلى ترامب عن أعظم قوة لا يمتلكها خصومه الاستبداديون).
2
الحقيقة، ما أدهشني ليس ما ستكون عليه أمريكا في عهد ترمب وقيمها التي ستتخلى عنها، بقدر ما أدهشني وأنا أستمع إلى خطاب الرئيس ترمب عشية تنصيبه داخل مبنى الكونغرس، الصورة التي رسمها ترمب في خطابه لأمريكا. وبعد نهاية الخطاب، تساءلت: ترى ماذا بقي من أمريكا؟ كيف؟
انظر إلى ترمب وهو يرسم صورة القانون والعدالة في أمريكا التي هي عماد ديمقراطيتها: (استغل نظام راديكالي وفاسد، سلطته وثروته من المواطنين، بينما كانت أعمدة مجتمعنا تبدو مكسورة وفي حالة من الإهمال التام). إذن، هو يعترف بأن أمريكا نظام سياسي تافه؟ ثم يؤكد أنه (سيُعاد الأمن، وستُوازن كفة العدالة، وسينتهي استغلال وزارة العدل وحكومتنا بشكل ظالم وعنيف).
ويؤكد فساد ذلك النظام في مجال الحقوق والعدالة في خطابه الافتتاحي: (لن يتم استخدام القوة الهائلة للدولة بعد الآن لاستهداف المعارضين السياسيين). ويتهم النظام الأمريكي بأنه نظام يحمي المجرمين ويفشل (في حماية مواطنينا الأمريكيين القانونيين المتميزين، لكنه يوفر ملاذاً وحماية للجرائم الخطيرة). ثم يعد الأمريكيين: (تحت قيادتي، سنعيد العدالة العادلة والمتساوية والمستقلة تحت سيادة القانون الدستوري، وسنعيد القانون والنظام إلى مدننا.)
إذن، أمريكا تُسيس العدالة، وتحمي المجرمين، ولا تعبأ بسيادة القانون، وتنتهك حرية التعبير بفرض الرقابة على المواطنين. هذه صورة أمريكا بعظمة لسان رئيسها المنتخب.
3
ما وضع الخدمات الصحية في أمريكا؟ يقول ترمب: (بلدنا لم تعد قادرة على توفير الخدمات الأساسية في أوقات الطوارئ، لدينا نظام صحي عام لا يقدم أي شيء في أوقات الكوارث، ومع ذلك يُنفق عليه أكثر من أي دولة أخرى في العالم، أما النظام التعليمي، فهو مخجل في كثير من الأحيان، يزرع كرهاً لبلدنا، رغم كل الحب الذي نحاول أن نقدم لهم).
اجتماعياً، كيف تبدو صورة أمريكا؟
يقول ترمب: (الحكومة تحاول هندسة الأعراق والجنس في كل جانب من جوانب الحياة العامة والخاصة. سنصنع مجتمعاً بلا لون وبناءً على الجدارة.)
ثم يقرر: (اعتباراً من اليوم، ستكون السياسة الرسمية لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية هي أن هناك نوعين فقط من الأجناس: ذكر وأنثى.)
هكذا ألغى ترمب ما ظل الديمقراطيون يدافعون عنه لسنوات أو ما سموه الجنس الثالث. خمس مشكل؟
4
ماذا عن السياسة الخارجية؟ يقول ترمب: (لدينا حكومة تمنح تمويلاً غير محدود للدفاع عن الحدود الأجنبية لكنها ترفض الدفاع عن حدودنا الأمريكية أو، وبشكل أكثر أهمية، الدفاع عن مواطنينا. لدينا حكومة غير قادرة على التعامل مع الأزمات البسيطة محلياً، في حين تتورط في سلسلة مستمرة من الأحداث الكارثية في الخارج.)
5
بدا لي أن كل ما قاله ترمب أعلاه من حقائق حول النظام الأمريكي، وقد تعايش العالم مع هذا النظام الأمريكي القائم على الفساد داخلياً وازدواجية المعايير خارجياً، كما سيتعايش مع النظام الفاسد الذي سيرأسه ترمب في أمريكا.
على أن أكبر إثبات على فساد وضلال النظام الأمريكي في نواحيه كافة هو انتخاب ترمب نفسه!!
Source: View source